قناة الجديد/ برنامج لنعرف اكتر
كل واحد منا تعرض في مرحلة من مراحل حياته للتنمر، أو سمع عن أحد تعرض للتنمر، أو حتى تعرض أولاده لذلك، هي آفة بشعة منشرة في المجتمعات كلها تقريبا، وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الناس التي تتعرض لهذا التنمر هي عالية جدا.. هذا الموضوع المهم لا نستطيع أن نمر عليه مرور الكرام، دون أن نتعاطى معه بطريقة علمية واعية، خصوصا وأنه من الضروري أن نعلم أولادنا تجنب ذلك، والتعامل معه، والآثار التي يتركها على شخصيتهم.. وسنتحدث عن هذا الموضوع بشكل تفصيلي مع د. زينب الآغا, الباحثة في حقول التربية الخاصة والدامجة.
س: سنتحدث عن التنمر(الناس أصلا عندها فكرة عنه)، لنعرفه أولا؟
ج: التنمر هو أحد أشكال العنف الذي يمارسه شخص أو مجموعة من الأشخاص ضد شخص آخر لإزعاجه بطريقة متكررة (أحد أشكال العنف).. وهناك الكثير من أنواع وأشكال العنف.. عندما بحثت, وجدت أكثر من 10 أنواع، وسنتحدث عن التنمر الللفظي والجسدي والإلكتروني، الذي كثير ما نراه مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي. (هل نقول أن هناك تنمرا عن قصد وآخر دون قصد).. صحيح، ولنبدأ بغير المقصود.. أحيانا نتنمر على شخص دون أن نقصد، حتى لو كنا واعيين لذلك، ما هي العبارات التي يجب أن نستعملها.. ؟
التنمر دون قصد ممكن يحدث في أية لحظة، ويختلف التنمر عن قصد أو عن غير قصد، بأن الشخص لا ينظر لعواقب الأمور، فقد يستعمل الكلمات النابية أو عبارات تأذي الشخص الآخر، بطريقة جارحة أو كلام لاذع يلي بتحسي يأذيكي.. لنفسر الأمر، فهناك مُتَنَمِر الذي هو الفاعل، ومُتَنَمَر عليه هو المفعول به، ومن ثم فعل التنمر نفسه..
أوضح أن كثيرا من العوام لا يعرفون معنى كلمة التنمر، وهي جديدة دخلت على حقول التربية وعلوم النفس والاجتماع مأخوذة من تسلط النمر وانقضاضه على فريسته، وهو من أشرس السباع، وفي التنمر ينقض الشخص على الآخرين (م: ردة فعل قبل الفعل.. صححيح .. يعني العكس لأن المتنمر “عم ياكل راسك” باللهجة اللبنانية).
أحب أن أوضح أن الشخص المتنمر يجرحك بتصرفه.. أعطيك مثلا من الحياة, ممكن أن تكوني داعية مجموعة من الناس، فيتنمروا عليك، وهناك الكثير من الأسباب والقصص.. ذكر أهم ثلاثة منها، الذين تعرضوا للتنمر من قبل، هم أشخاص ثقتهم بأنفسهم متدنية (م: كان عندي سؤال من هو المتنمر.. هو شخص تعرض للتنمر أولا، ومن ثم ليست لديه ثقة بالنفس).
ثانيا، أثبتت الدراسات أن من أحد الأسباب أن المتنمر لديه مستوى متدني من الثقة بالنفس، وهو بالحقيقة شخص تعرض للتنمر من قبل شخص أقوى منه، وحتى يحمي نفسه يتنمر على شخص أضعف منه، حتى ينتقم من الشخص الذي بدأ التنمر معه، وثالثا، هناك أشخاص لديهم مخزون كبير من الغيرة والغرور، ولا يحبون أن يروا إنسانا أشهر.. أغنى.. أجمل.. أسعد منهم، لذا يحاولون تحطيم شخصيته، فإذا عمل عملا مميزا، لا يشكرونه, بل يحاولون أن يفتشوا على شيء سلبي، حتى يحبطوا من عزيمته، حتى لا ينجح أكثر..
س: من هو المتنمر عليه، وكيف يقع الخيار عليه، هل هو ضعيف الشخصية, هل هو مهذب؟
ج: هذا السؤال جيد، حيث ممكن أن يكون المتنمر عليه ذا شخصية ضعيفة، أو ليست لديه خبرة بالحياة, لا يعرف كيف يواجه هذا الاشيء. (م: لنتحدث عن الأولاد قليلا، فالمتنمر ولد، لأن التنمر أكثر ما يحدث بين الأولاد.. نحن نصبح محصنين عندما نكبر، ونعرف كيف نحصل على حقنا..).
د. زينب: في كل الأوساط وليس بالمدارس وعند الأولاد فقط.. في المؤسسات والشركات هناك تنمر بطرق مختلفة.. قبل ما نتحدث عن المدرسة، وكيف ممكن أن أهل هذا الولد قد تنمروا عليه سابقا، لذلك تصير شخصيتو ضعيفة ولا يقدر على المواجهة, إذا امه قالت له أنت فاشل، عندك قلة فهم.. تستخدم هذه العبارات ويتشربها الطفل في شخصيته، وعندما يذهب إلى المدرسة، يتنمر رفقاه عليه، وقد يكون ناجحا وأنجح منهم أكاديميا، وأخلاقه عالية، ولكن ضعفت شخصيته بالبيت، ووصل مرحلة ما يقدر يدافع فيها عن نفسه.. هنا تأتي رسالتنا نحن تربويين وتصير مهمة .. نثقف ونحمي.
س: كيف يعرف الأهل أن ابنهم يتعرض للتنمر، خاصة أن عندما يخفي ردة فعله عن الأهل؟
ج: ممكن يرجع الولد إلى البيت، ولا يكون لديه الدافع ليرجع في اليوم التالي إلى المدرسة، ومن الممكن أن يتأخر في التحصيل الدراسي والجامعي (هذه الآثار الجانبية للتنمر).. هناك آثار جانبية للتنمر بسيطة و في متوسطة وشديدة، حسب الأثر الذي تتركه على المتنمر عليه.. يعني إذا كانت شخصيته قوية ويقدر يدافع عن نفسه، يستطيع أن يأخذ حقه بيديه، ويعرف يرسم حدودا بينه وبين الآخرين، وهنا لا نخاف على هذا الولد، إذا سلحناه بالعلم والمهارات الأساسية المطلوب أن يعرفها ليواجه التنمر.
الأثر يكون حسب نوع وشدة التنمر الذي يتعرض له.. لفظيا أو كتابيا.. (كيف ؟).. يصبح منزويا ولا يحب أن يجلس مع الآخرين، أو يعبر عن نفسه, ويصبح لديه كبت بالمشاعر السلبية، وعدوانيا، مثلا عندما تحكي معه الأم، يرفض كل شيء، وهنا تدلنا المؤشرات نحن التربويين أن هناك شيئا غير طبيعي.
س: كيف يمكننا أن نفتح الموضوع مع الولد؟
ج: مهم جدا التواصل بين الأم والأب والطفل والمربي.. نحاول دائما أن نجعلهم يثقوا بنا، ويصارحونا بكل شي، لما يرجع الطفل إلى البيت، ويسألوه كيف كان نهارك اليوم، وماذا حدث معك في المدرسة؟ من الضروري أن نسأل الطفل, ومهمة الأم عندما تصطحب أولادها إلى المدرسة، أن تحصل منهم على بعض المعلومات بطريقتها الخاصة، ممكن أن تقرأ لهم قصة قبل النوم.
بالنسبة للآثار الشديدة، فإنها قد تؤدي للانتحار أو الاكتئاب على الأقل، وقد أثبتت الدراسات أنه إذا عانى البالغ أو المراهق من الاكتئاب، سيصل إلى مرحلة يقنع نفسه فيها بأنه فاشل ولا يستطيع أن يحقق أي نجاح، وهنا تضيق الطرق أمامه، وتسود الحياة في عينيه، وهنا يتحمل الأهل جزءا من المسؤولية مع للأسف.
س: ما هي أهم نقطة يجب أن نحرص عليها لمعالجة التنمر؟
ج: يجب أن نعلم أولادنا إذا تعرضوا للتنمر جملة فيها اربع مهارات المطلوب أن يتقنوها.. نظرة العين, نبرة الصوت, الكلمات الحازمة، ولغة الجسد. يعني إذا شخص تعرض لهم بالتنمر يقولون له أنت لا يحق لك انك تتعدى علينا وعلى حقوقنا.. الثقة بالنفس مطلوبة، فإذا أنا طوال الوقت أنظر إلى الأسفل وأخجل من المواجهة، وثقتي بنفسي ضعيفة, سوف يتنمر علي الآخرون، وينظرون لي نظرة دونية..
سأذكر قصة.. تلك القصة الشهيرة لجحا وابنه وحماره، الذين كانوا في سفر, ومروا على جماعة من الناس، وكان الأب (جحا) راكب على الحمار، والابن يمشي، فقالوا: معقولة الأب راكب والابن ماشٍ، اتفقوا أن يعكسو الأمر الابن يركب والأب يجر الحمار، ومروا على جماعة ثانية من الناس، فقالوا: معقول الابن راكب على الحمار والابن ماشٍ.. أخيرا، اتفقوا أن يمشوا ويجروا الحمار، وتفاجأت مجموعة ثالثة وقالت: معقول هذا التصرف.. ؟!.. أخيرا حملوا الحمار ومشوا فيه بين الناس، فقال الجميع: انظروا إلى هذين المجنونين.. !!
المغزى من القصة، لن ترضي الناس مهما عملت.. لذا يجب أننعلم أولادنا كيف يتسلحوا بالعلم، ويعرفوا كيف يواجهون المواقف.. تعرفين في المفهوم الاجتماعية الدارج يقولون: إذا شخص ضربك اضربه.. وأقول: ادفع هذا الأذى.. إذا شخص ركلك.. شدك من شعرك.. ضربك.. عضك.. واجهك بأي عنف جسدي، ادفعع، واطلب المساعدة من شخص تثق به، لإدارة الموقف..
مطلوب من الأم أن تعرف ماذا يحدث مع أولادها، وأن تتواصل مع إدارة المدرسة وتقدم شكوى، ونتخذ الإجرارات السليمة لحل المشكلة.. ثق بعد الله.. ثق بكرمه، وكما في الحديث الشريف: (يا ابن آدم لو اجتمع الأنس والجن على ان يضروك بشئ، لن يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك، ولو اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشئ لن ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك.. رفعت الأقلام وجفت الصحف).
وإليكم النصائح العامة والقواعد الذهبية: سلحوا أولادكم بالعلم.. بقوة اليقين, وعودة الحق، ولو بعد حين.. الاتزان في الأقوال والأفعال.. سعادتنا ليست على حساب تعاسة الآخرين.. يعني ما فينا نبني سعادتنا على تعاسة الاخرين.. (م: ممكن بلغة الجسد ونظرة العين، ويمكن أن تأخذ حقك).. القوة هي تواجه التنمر.. بالحكمة.. بالهدوء.. بالأخلاق الحميدة.. بالأسلوب الصحيح ، لأن الأسلوب مفتاح القلوب والسبيل للتتعاطي الرائع مع الآخرين.