القصة تقول: كانت تلك البنت في الرابعة من عمرها عندما اصطدمت بها سيارة انحرفت لسرعتها عن مسارها. أخذها والداها إلى المستشفى سريعًا، وهناك كانت الصدمة، دماغ الفتاة تضرر بشكل كبير وكنتيجة سيتأثر عمل كثير من أعضاء جسمها، كرئتيها ومعدتها وأطرافها، وسيختل نموها الجسدي والفكري. كان ذلك الحدث هو أعظم مصيبة بين كل المشاكل التي حدثت للأسرة أو ستحدث، إلا أن الوالدين كانا برسوخ جبل لا يؤثر فيه أعتى الزلازل.
كفلا علاج ابنتهما مع ما يتطلبه الحال من سهر الأم إلى جانبها وتحمل صراخها وحملها لنقلها من مكان لآخر واختلاف مزاجها والأطعمة التي تناسبها مع القيام بشؤون الأسرة والتعامل مع المجتمع، وقد ألزم ذلك الأب مصاريف مالية ضخمة لمتابعة علاجها مع أطباء كثر وإجراء الفحوصات الدورية وإحضار الآلات الطبية التي تحتاجها.
هذه الفتاة التي لا تملك القدرة على فعل أي شيء منذ عشرين سنة، كانت لا ترى أمام عينيها إلا أمًا حنونًا تخدم ابنتها مع الرضا والعطف وعدم التضجر، وترى أبًا أسدًا يسألها عن حالها وهي غير مدركة سؤاله وغير قادرة على رد الجميل ولو بكلمة.عناق الأب وقبلة الأم كانت بالنسبة لها كتحرير الأراضي والمستعمرات، هي ملِكة مُكرَّمة كرَّمَتها أمٌّ لا ينزل مقامها عن عرش الملِكات وأب لا ينزل مقامه عن عرش الأمراء.
الوالدية تفوق أشد الحرف والمهن، وليس كل من أُعطي هذه الرتبة كان أهلًا لها، فمن خصائصها:
- الالتزام بالعائلة والأولاد وتغليب المنفعة العامة على المنفعة الخاصة.
- تكريس جنى العمل لتأمين حياة رغيدة للطفل ولمستقبله.
- التطلع للأولاد بمستقبل مشرق ووصولهم لدرجات أعلى مما ناله الأهل.
- عدم تحميل الأبناء أعباء الزمان، والسعي دومًا لحمل الحِمل الأثقل طمعًا براحة أبنائهم فلذات أكبادهم.
- الصبر على المشقة والمرض والسهر على راحة الطفل أو الوصول لراحته.
- عدم الاستسلام والمثابرة على الحياة الزوجية والعائلية بناء على القرار المتخذ عند عقد الزواج.
- التربية الأخلاقية التي تطلب جهدًا مكثفًا.
- لحرص على سلامة الولد النفسية مهما كانت الظروف.
- الوعي التام لما يطرأ على الأسرة والتكاتف رغم اختلاف قدرات التحمل.
- تحمل الزوج لزوجته في مختلف مراحل العلاقة الزوجية والعكس، وصبرهما على نتائج الزواج من أولاد ومجتمع.
- رضا الأفراد بأن الحياة ليست دائمًا كما نحلم ونطمع، فبالتالي التأقلم مع الواقع وإيجاد حلول لإكمال المسيرة.
الخلاصة: الوالدية هي تلك المهنة التي تتشابه مع مهنة الأحرار المدافعين عن أرض وطنهم، فهي عطاء بلا مقابل، وتقديم مصلحة الولد على مصلحة الأم والأب، هي المهنة التي تزرع وتنشئ وتربي أطفالًا ليكونوا أخيار المستقبل وملخص الأخلاق الحميدة.أقل دليل على ذلك خوف الأب والأم على أولادهما في حال حضورهما فكيف بحال الغيبة؟! فتكون الأم منبع العطف والحنان الذي لا يجف، ويكون الأب مصدر القوة التي لا تضعف.