كانت متطلبةً متأففةً تستخدم أمَّها لتقنع والدَها، وتستغل عاطفة والديها حتى تفعل ما تحب وتهوى، وكم اعتبرت نفسها مضطهَدة ومحرومة ومحاصَرة ومحبوسة ومصادَرة الرأي وبلا قرار لها… وإذا بها تتزوج.. تحمل.. تلد.. تصير أمًّا… لتتغير مئة وثمانين درجة، وتنقلب حنونة مرضية محبة زوّارة كريمة مع والديها… الآن لمست ما معنى أم وما معنى أب.. الحمد لله قبل فوات الأوان، وقبل يا ليت!
إن حرفي كلمة “أم” ليسا كغيرهما من الحروف، ليسا رمزين كتابيين لصوت مسموع فحسب، بل صدى لشعور خفي في الروح ومسؤولية عظمى أيضًا؛ فالألف هو أول الحروف، والميم للسيادة، لم يتشابكا عبثًا مع بعضهما بعضًا، بل ليشكّلا مفهوم الأمومة. فكما أن ألف أول الحروف، فبر الأم أفضل من بر الأب، وعقوق الأم أكبر من عقوق الأب.. ونالت الأم هذا الفضل بثلاث مراتب ليست للأب:
١- الحمل.
٢- الوضع.
٣- الرضاعة.
“أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك”.
ما أكبر مكانة الأم في قلب ابنها، فهي ملكته الأولى وحبه وعكازته في هذه الحياة الظلماء.
وحرف الميم لأنها منبع ومنهل ومشعل يضيء دربنا لنسلكه ونتخطى العقبات ونطلب العلا، فكل هذه الكلمات الرقيقة تصطف لتنسج صورة لأم معطاءة حنونة عطوفة استحقت لقبها.. وكلها قليلة في حق تعبها وتقديماتها. والولاء رابط مستتر في أرواح الأطفال لا يكون عن عبث وببساطة، بل يروى بالأحاسيس والتقديمات، ترى الطفل حين يلفظ اسم أمه يدغدغ قلبه إحساس الأمان والاطمئنان، فالولاء نبتة والأخيرة لها جذورها، فكما تزرع الأم تحصد كما يقال إنها مدرسة فلها تلاميذها، إن أخفقت أهلكت الأمة، فابنها اليوم طفل صغير وهي بوابته إلى العالم، يطل عبرها ويتعرف من خلالها إلى الحياة والبشر، مثلما تصف له، فهي الأولى في حياته التي يحتاج إليها ويثق بها، ويغرس الولاء إليها كما يغرس ولاؤنا إلى الأوطان، كلما شعرنا بالاطمئنان يقوى هذا الرابط بحصولنا على حقوقنا الكاملة، وإن لم نفعل فلن نشعر بأي رابط عاطفي، كذلك في مثال الأم إن زرعت فينا الحقد والكراهية والإهمال والرعب فلن يربطنا بها سوى الاسم فقط وليست العاطفة والوجدان ولن يكون لها أي فضل سوى أنها أساءت إلى دورها الريادي التربوي الطليعي في تربية الأجيال.
الأم هي مرآة القلوب، ومنارة الدروب، ومعلمة الأجيال، ومشعل الآمال.
الأم المدرسة الأولى والمعلم في كل حين، وأكثر من يريد الخير لولدها، ولمستقبل
الخلاصة: الأم غنيمة وكنز وعز وأمان وحنان، صديقة إذا ندر الأصدقاء، حضن دافئ إذا بردت الحياة، وملجأ إذا اسودت الحياة