أنا زينب آغا
القصة تحكي عن الطفل الأول والوحيد الذي رزق به أبوان مثقفان، فالأب كان طبيبًا والأم ممرضة. طابع الاحترام والتوقير كان غالبًا على تلك الأسرة، إلا أنها ورغم تقدمها في المجال العلمي جابهت معضلة تمس أكثر الأمور تناولًا في المجال العلمي؛ ولد تلك الأسرة وما إن بلغ السابعة من العمر حتى صار يزداد عدوانية وتراجعًا في المجال الأكاديمي، وصار يفضل العزلة بشكل كبير، ويتحاشى عيون الناس، يجد الانحطاط في نفسه ويرى أنه فاشل.
كلما مر الوقت على ذلك الفتى تعاظمت مشكلته وصار أقرب للهاوية. لم تعتنِ الأسرة طيلة تلك الأعوام بحال ولدها، لانشغال الأب طيلة الوقت، أما الأم فكانت ترى أنها أدت مهامها تجاه ولدها على أكمل وجه. دارت الأيام دورتها، وفي الخامسة عشرة من العمر أبلغ الأهل أن ولدهم قد حجز في إحدى مراكز الشرطة، وكان هذا بسبب تعنيفه لرجل كبير استغرق وقتًا طويلًا ليقطع الشارع وأعاق سير الولد. القصة تنتهي هنا، وأما عن حصيلتها فهي أن إهمال الأهل للطفل وعدم تلبية احتياجاته النفسية والعاطفية في خلال تطوره، جعلته يتقدم في الحياة على طريق شائك فيه من السلوكيات السلبية الكثير.
لهذا يعلم أن الدفء والود من الركائز الأساسية لتربية سليمة، فهي تشبع احتياجات أساسية عند الطفل؛ ومنها:
- الأمان والراحة.
- الحب غير المشروط، وغير المؤقت.
- القبول مع الاحتواء.
- معالجة الأزمات بالحكمة والتأني لا بالعصبية والتسرع.
- الاحترام والتقدير.
- التشجيع والثناء ولو على تفاصيل دقيقة وبسيطة، لأنها تنمي حس المسؤولية والثقة والتطلع نحو الأفضل.
- الحاجة إلى الانضباط تحت قواعد الأسرة الأخلاقية والدينية وتقبلها، وعدم التذمر منها واعتبارِها قوانين تُنفذ من غير اعتراض.
- الحاجة إلى اللعب واللهو بحماية الأسرة لإضافة حس الفكاهة على المنزل وإفراغ الولد لطاقاته المكنونة، والتعبير عن ميوله وانفعالاته، لا سيما في حال الربح والخسارة ليتم توجيهه على المسار الصحيح.
- يترك الدفء والود في نفس الولد شعورًا بالانتماء لهذا البيت الصغير الذي منه سينطلق إلى العالم الخارجي، فيجعله مركز الأمان والملجأ والراحة وبيت الأسرار، فلا يتصرف بما يخالف ما تربى عليه مهما طرأ عليه، لأنه غالبًا من شب على شيء شاب عليه.
الخلاصة: إن إشباع الاحتياجات النفسية من أهم الأدوار الوالدية في التربية، حيث إن الطفل الذي يتم تلبية وإشباع الاحتياجات النفسية والعاطفية لديه ينمو واثقًا من نفسه، بصورة تجعله قادرًا على مواجهة تحديات الحياة، ويثق بأهله ويفتخر بانتمائه لأسرته، كما أنه يشعر باستحقاقه للحب والاهتمام، بعكس الطفل الذي لا يتم إشباع احتياجاته النفسية، فإنه سيعاني غالبًا من تدني تقدير الذات والسعي لإرضاء الآخرين، والشعور بعدم القدرة على إنجاز المهام، وإدمان السلوكيات السلبية، مثل العنف أو الانسحاب. الدفء والود هي تلك العلاقة الإيجابية التي على كل أهل ممارستها مع أطفالهم، والتي فيها يستثمر الأهل شخصية الطفل فيربحون حسن أخلاقه ومسيرته.